أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

📈 رائج

وسقط جسر أحمد

 

"لن تنضج حتى يُهدم أمام عينيك كل ما كنت تؤمن به" - تُنسب للكاتب أحمد خالد توفيق "رحمه الله"

في يوم عرفة من العام الماضي كنت عازم النية على أن أرمي همومي الثقيلة على الله، لم أكن في أحسن حال، فقد كانت تشغلني أمور كبيرة، وبدا لي أن الحياة تعاندني، وتختبر صلابتي، حتى شعرت أن الأرض على اتساعها ضيقة، وأن جمال الحياة قد أصبح باهتًا. ومع شدة الإرهاق غلبني النوم، ولم أستيقظ إلا قبيل صلاة العصر، فنهضت مسرعًا لأُدرك صلاة الظهر قبل أن يخرج وقتها.

لقد كان روتيني في هذا اليوم طيلة حياتي هو الدعاء والصلاة وتلاوة القرآن وقبل غروب الشمس أذهب إلى بيت والديّ لأفطر معهم، ولكن هذه المرة بعد أن صليت الظهر وجدت نفسي تحدثني بالذهاب إلى المسجد الحرام، في البداية ترددت قليلا في الذهاب، وتساءلت كيف سأتمكن من الوصول إلى الحرم في مثل هذا الوقت، خاصة وأن أغلب أهل مكة يذهبون إلى الحرم، ما لم يكونوا حجاجًا أو عاملين في الحج، ولكني شعرت أنها دعوة من الله وواجب عليّ تلبيتها، خاصة وأنني كما ذكرت سابقًا ليس من عادتي الذهاب إلى الحرم في هذا الوقت من العام.

هل تؤمن بنداء الله؟ أم تعده مجرد تصورات، ولا أساس لها من الصحة؟!

وبالعودة للنداء؛ قررت في تلك اللحظة أن أستعد بسرعة، وخرجت من البيت، وانتظرت في الشارع نحو ربع ساعة، حتى وجدت أخيرًا السيارة التي تقلني إلى الحرم، وحين وصلت إلى الحرم كنت أمشي في ساحاته كطفل ضاع عن أهله وسط الزحام، دخلت الحرم وفي غصون دقائق أذن المؤذن لصلاة العصر، سمعت كلمات الأذان، وكأنها تصل إلى أذني لأول مرة، كان المؤذن يقول "الله أكبر"، وشعرت أن الله أكبر من كل هم وحزن وغم، الله أكبر من أي أمر يشغل قلبي، وضاقت به نفسي.



دعوت الله بين الآذان والإقامة ثم صليت العصر، وجلست قليلا ثم توجهت إلى صحن الطواف، في البداية كنت أمشي بخطوات ثقيلة وقدماي لا تحملاني على الأرض، وفي لحظات وصلت إلى الملتزم -مكان بين باب الكعبة والحجر الأسود- وصلت إلى مكان تسقط فيه العثرات، وتستجاب فيه الدعوات، وتُجبر فيه القلوب، إني ذاهب إلى ربي سيهدين. وفي لحظات شعرت وكأنني أحلق في السماء، وأتممت الطواف، وجلست في آخر صحن الطواف أنتظر أذان المغرب، وكان المنظر مهيبًا والناس في أوضاع مختلفة بين طائف وراكع وبين أشخاص يوزعون الماء والتمر على الصائمين، أذن المغرب، وأفطرت وصليت ثم خرجت من الحرم، وفي أثناء ذلك اتصلت عليّ أمي، وسألتني عن موعد وصولي لنفطر سويًا، فأخبرتها أنني في الحرم ومتوجه إليهم، ولكني سوف أتأخر لازدحام الطريق، وطلبت منها أن يبدؤوا بالأكل، ولكنها أصرّت أن تنتظرني حتى أصل، وحتى هذه اللحظة كان كل شيء جميلا في الظاهر والباطن.

ثم بدأت قصتي بعد ذلك اليوم؛ خسرت كل أمر طلبت من الله أن يصلحه لي في الحرم، تلاشى جمال الظاهر، ولكن جمال الباطن بقي، حتى وإن لم أدركه بالكامل، لم أتعاف من تلك الصدمة بسهولة، فقد توالت عليَّ المصائب واحدة تلو أخرى، ولم أفهم تمامًا ما حدث لي، فقد كنت أضعف وأوهن مما كنت عليه قبل أن أذهب إلى الحرم، فطلبت من الله أن يلهمني الصبر والسلوان، وطلبت منه أن يريني الحكمة في الجوانب الخفية من لطفه، وكان جزءًا مني يُدرك رحمة الله، وأن الخير الذي يختاره الله لعبده، لا يتوافق بالضرورة مع رغبات العبد، أو فهمه المحدود لنعم الله، بل إن الخير يكمن في ما عند الله وحده، وما يخفيه الله من رحمته أوسع لنا، وكان جزء آخر مني يعترض لضعفي وقلة حيلتي، فسألت الله: يا ربِّ كيف أخيب، وأنا بين يدك؟ كيف انهزم وأنت كل ما أملك؟

بصدق؛ هل سبق لك أن شعرت في أحد الأيام بضعف في إيمانك إلى حد لم تستوعب فيه عظمة الله؟

والآن وبعد مرور شهرين على يوم عرفة لا أخفي عليكم أن بعض الأمور قد انكشفت لي حكمتها، وبعضها الآخر مازال خفي عليّ، وقد ازدادت ثقتي بالله ويقيني به، ولكن حيرتي ما زالت قائمة.
أتمنى أن أكتب إليكم يوما لأخبركم أن الله قد استجاب لدعائي، وأظهر لي الحكمة التي كانت مخفية عني.
أخيرًا وآخرًا وأولاً.. "إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ"

أما أنتم فأقول لكم دعوا ما بيني وبين ربي، وأخبروني هل واجهتم موقفًا مشابهًا، شعرتم فيه بأن الله يختبركم؟ شاركوني تجاربكم في التعليقات أو على بريدي الإلكتروني ahmedakram81@gmail.com
Omar Adel
Omar Adel
تعليقات